التسامح.. تعايشٌ إنساني مستدام
يُصنّف التسامح كأحد أعظم القيم الإنسانية التي تحضُّ على السلام والمحبة والعفو، وهي المواصفات النموذجية للإنسان، ومن التسامح بدأت أعظم الحضارات والمجتمعات التي قدمت النموذج الحقيقي لمفهوم التسامح الإنساني.
طوال رحلة الإنسان في الحياة، ومنذ فجر التاريخ وهو يبحثُ أسباب الاستقرار وفرص التعايش الهادئ المسالم الإنساني، والذي يعني السلام والتعاون، وسندَ القوة على القوة لتحقيق الإنجازات وتبادل المنافع في المجتمع ذاته أو غيره من المجتمعات.
وظلت تلك المحاولات تدور وتمثّل سعياً وهدفاً حقيقياً للإنسان بدءاً من الإنجازات في مجال البيئة القريبة المحيطة في بواكير تأسيس المجتمعات المأهولة بالسكان في الماضي، ووصولاً إلى الإنجازات العلمية والتكنولوجية الحديثة، التي ظهرت فيها أهمية التعايش والقبول بالآخر والرضى به، وتوفير المفاهيم المشتركة للوصول إلى تناغمٍ مناسب وتبادل المنافع، وهو التعريف الحقيقي لمفهوم التعايش الإنساني الجميل والمفيد.
إن من أهم أسباب التعايش وفهمه واستيعابه، والرسوّ في محطة الاستدامة الإنسانية المستمرة والمستقرة يكمنُ في القيم العظيمة والأُسس الراسخة التي يحملها الإنسان ضمن محور الخير والسلام وحب الآخرين، والتي تبدأ من داخله فيعيشُ محبّاً لقيم الخير والجمال ويعمل في جوانبها المتعددة، يختبرُ نفسهُ فيها، في ظلّ سلامٍ داخليٍ يملأ جوانحه، ويبيّن له مساره، إلى جانب قناعاته الفكرية بأن التعايش هو سبيل تحقيق الأهداف وأن احترام قيم الآخر وعاداته هي السبيل الأوحد لبناء طريقة عيشٍ تناسب الجميع، وقبل ذلك أن التسامح هو القيمةُ الأعلى التي تفجّر طاقات إيجابية تحقق قبول الآخر، ليكون الجهد للإنجاز وليس العكس.
تظل مفردة التسامح، مع تطور كافة مراحل الإنسان النفسية والعقلية، هي الأقرب إلى نفسه الطبيعية، سواء أكان مُتسامحاً أو مُسَامَحاً حيث إن ردة فعل التسامح على النفس الإنسانية في الحالتين لها وقعٌ إيجابيُ كبير، فهو يعزّز الثقة بالنفس ويجمّل رؤيتنا لأنفسنا وللآخرين، ويُطلق إحساس السعادة، ويمنح الإنسان مزيداً من المشاعر الإنسانية الفيّاضة التي تُرسّخ قناعته بجدوى التسامح، وما سيأتي لاحقاً من تطبيقاتٍ عمليةٍ وترسيخ لقيم الخير والسلام والتعايش وحب الآخر، ليكون التسامح هو شعار الحياة بين الناس، وحجر الزاوية في التعايش الإنساني المستدام.
في خاتمة حديثنا عن التسامح لا بد أن نستذكر أحد أكبر الأحداث في التاريخ، حيث سامح رسولنا الكريم أهل مكة بعد فتحها برغم عدائهم الشديد، ليبدأ مجتمعٌ جديد ملؤه الحب والتسامح والتعايش الإنساني.