ثقافة التسامح وتقبل التعدد الثقافي.. وتطبيقاته في المجتمع
يعتبر سلوك التسامح مع الآخر من أهم المطالب الإنسانية في العصر الحديث، خاصة في المجتمعات ذات الهويات المختلفة، وذلك لما يحملهالتسامح من مزايا وخصائص اجتماعية وحضارية، تضمن للمجتمع التقدم والنمو في ظل التعددية الثقافية، بل تجعل من التعددية نقطة قوةتثري التجربة الإنسانية وتوسع من مداركه الفكرية وإسهاماته الحضارية. ويقصد بالتسامح؛ حسن التعايش مع الآخر، وإن كان مختلفاً فيالفكر والانتماء. وهو مستلزم للتعامل بالحكمة والمعروف والاحترام المتبادل للآخرين، مهما تباينت مظاهر الاختلاف وتشعبت. ومن الأهميةبمكان أن نعلم: أن التسامح مع الآخر لا يستلزم أبداً التنازل عن القناعات الخاصة، بل هو امتناع عن استعمال وسائل العنف والتجريح ضدمن يختلف ثقافياً أو عرقياً أو فكرياً، مع ضمان الحق الكامل في الاحتفاظ بالقناعات والآراء الخاصة. وبناءً على ما مضى، فالتسامح موقفإيجابي ومتفهم من العقائد والأفكار والممارسات، يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة بأمن وسلام في مجتمع واحد. ومن ما يزيد منأهمية تطبيق مفهوم التسامح، وبالخصوص في المجتمعات البشرية اليوم، أن العالم بات كالقرية الواحدة، حيث يحتوي المجتمع الواحد علىمزيج من الثقافات المتباينة، حيث لا يتسنى التعايش الآمن بينها إلا بتمكين التسامح وقيمه في المجتمع. كما أن تطبيق مفهمو التسامحيضفي جواً من الأمن والطمأنينية على المجتمع، مما يسهم في زيادة الإبداع والتوسع في الإنتاج الحضاري. ويعتمد مفهوم التسامح الإنساني على منظومة أخلاقية متكاملة، تحتوي على مجموعة من القيم الكونية؛ كقيمة التعايش، وقيمة التقبل للآخرين، وقيمة الاحترامالمتبادل مع المختلف فكرياً وثقافياً في المجتمع. وقد تُصنف ثقافة التسامح والقيم المتصلة بها ضمن القيم الأخلاقية المرتبطة بالضروراتالإنسانية لنبذ ما لدى البشر من استعداد للتنافر والعداء. ويتطلب تعزيز مفهوم التسامح الإنساني في المجتمع؛ عدداً من التطبيقات العملية،منها: نبذ العنف والتجريح في الخطاب والسلوك حال التعامل مع الآخر. ومن التطبيقات المحورية في هذا السياق: مبدأ عدم الإستبدادبالرأي مهما كانت الأفكار الخاصة مُقنعة أو عقلانية. بالإضافة إلى تعزيزالتواصل بين شرائح المجتمع المختلفة، مع التركيز على الأصلالمشترك لكل البشر، والتعامل مع الآخرين على هذا الأساس، فالبشر كلهم لآدم وآدم من تراب. إن ترسية أسس التسامح في المجتمع،ليعكس بوضوح الفهم الدقيق لمتطلبات المرحلة التاريخية التي تمر بها البشرية اليوم، فالخير والسعادة، والتنمية الحضارية، التي ينشدهاالبشر لا تتأتى إلا في ظل التسامح والوئام التام بين كافة أطياف المجتمع.