التنوع الثقافي إثراءٌ للمعرفة
يعدّ التنوّع الثقافي انعكاسًا مهمًّا لتطبيقات التعايش والتفاعل الحضاري بين مختلف فئات المجتمع، فهو ينطوي على جوانبَ اجتماعية وثقافية كثيرة، عدى عن جانبه الفلسفي الذي مثّل البداية الأولى لبلورة هذا المفهوم، فمن خلال التنوع الثقافي يظهر دور الفرد في المجتمع، بالإضافة إلى ملكته وما يميّزه عن غيره، إذ لا يخرج أي فرد عن ثقافة معينة، وهي ما يؤكّد صفته الإنسانية بين أبناء جنسه.
ويشير التنوع الثقافي إلى تقدّم المجتمع وانفتاحه، الأمر الذي يثري المعرفة الفردية والمجتمعية، إذ يدرك الإنسان غيرَه، فيعي الحقائق المختلفة من حوله، ويبدأ في التفسير والبحث والتّقصي؛ ما يمكّنه من الارتقاء بتجربته الإنسانية في مختلف المجالات. وهذا الوعي كما وصفه أفلاطون: إيمانٌ مبرّر.1 فهو نتاج هذه التجربة الواقعية التي تضمن للمرء التعرف على عديد الاحتمالات، ومختلف المعارف والمهارات والخبرات.
وتظلّ المشتركات الكونية من بين أهمّ روافد المعرفة الإنسانية، وهو ما يعكسه التنوع الثقافي في المجتمع، من خلال ما يعزّزه من دلالات إنسانية، تراثية وأدبية وفنية، وهي جميعًا إشاراتٌ مهمَّة لضمان استدامة التنمية، التي هي نتيجة حتمية لواقع التّقدّم المعرفي الذي ينمّي المهارات اللغوية والتعبيرية، كما يساعد على خلق مجتمعٍ أكثر تماسكًا ووعيًا، تتكامل فيه جسور الاحترام والتعاون والثقة وتقبّل الآخر، بالإضافة إلى تمكين الكفاءات ورفع مستويات الإنتاجية.
وقد أكّدت منظمة اليونسكو في إعلانها العالميّ الصادر بعنوان (التنوع الثقافي) عام 2001 على أهمية التنوع الثقافي ودوره الكبير في إثراء المعرفة، حيث اعتبرته تراثًا مشتركًا للإنسانية جمعاء، لا بد من الاعتراف به؛ حفظًا وتكريمًا له، وتأكيدًا على ما فيه من مصلحة الأجيال الحاضرة والقادمة.2
وتمثّل دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا مهمًا لتطبيقات التنوع الثقافي ودورها في إثراء المعرفة، حيث يظهر ذلك من خلال المبادرات المختلفة التي ترعاها الدولة، كالنوادي الشبابية والثقافية للجاليات المختلفة، التي تسعى دائمًا إلى ترسيخ قيم التبادل المعرفيّ بما يخدم الفرد والمجتمع، وبما يمكّن الجميع من التعايش في بيئة آمنة مسالمة، بالإضافة إلى مشاركةِ الدولِ والثقافاتِ الأخرى احتفالاتِها ومناسباتها، كتزيين أبراج الدولة ومعالمها البارزة بأعلام الدول الأخرى، وعقد المهرجانات المحلية التي تحتفي بالتنوع الثقافي وتستعرضه.
إنّ للتّنوّع الثقافي أن يسمو بالمجتمعات والأفراد، من خلال التبادل الثقافي وإثراء المعارف، انطلاقًا من مبدأ التعايش، الذي يؤكّد على ضرورة التمسك بكل ما له أن يعين الإنسانية على تجاوز العقبات، وهو ما تؤسّس له قيم الثقافة الإسلامية التي توجّهنا على الدوام إلى التعاطي الإيجابي مع واقعنا، وتحثّنا على بناء ذواتنا والعمل على النهوض بمجتمعاتنا ومحيطنا الذي يعبّر عن نسيج متنوّع، نسعى بجهودنا جميعًا إلى إبقائه متماسكًا يؤازر بعضه بعضًا، انطلاقًا من المعرفة ووصولًا إليها.