التعايش
إن التعايش بين البشر من أهم ما يحتاج إليه الناس، و ذلك للتعاون في إحراز المنافع لأنفسهم ولأوطانهم. وما من أمة اختارت التعايش إلاوقد حققت منتوجات حضارية نافعة؛ لنفسها وللبشرية من حولها. والإسلام يؤكد على هذا المعنى بل يَعُد التنوع بين البشر من الآيات الدَّالةعلى عظمة الخالق سبحانه، حيث يقول سبحانه وتعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍلِلْعَالِمِينَ " (الروم :22) فالتنوع في طبائع البشر وألسنتهم وألوانهم أمرٌ أبدعه الله لنفع البشرية وجعَلَه ُ من الأسباب الهادية إلى عظمته.
ويعتمد مفهوم التعايش على الإبراز العملي للقيم الإنسانية المشتركة كالتسامح والتراحم وحسن الجوار والتعاون في شتى نواحي الحياة،بغض النظر عن الخلفيات الثقافية والاجتماعية، وعلى هذا فالتعايش سلوك فكري وعملي، يعترف فيه كل جانب بحق الآخر في الحياة والوطنوالدين من غير تمييِز أو تحيُّز.
ولقد حافظ الإسلام على مبدأ التعايش منذ نشأته في المدينة المنورة حيث كان المسلمون يتعايشون مع أهل الكتاب في سلام تام، في ظلدستور يضمن للجميع كامل الحقوق الوطنية بموجب ميثاق المدينة الذي أشرف عليه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
والهدف من التعايش هو جلب الأمن والاستقرار بين البشر، وذلك لأهميتهما للإبداع والتقدم الحضاري، فما من حضارة أقامها البشر إلاوكان أساسها الأمن والاستقرار، سواء كان ذلك على المستوى المادي أو الفكري أو الديني.
و مما لا شك فيه أن التعايش بين البشر والتعارف بينهم لتحقيق المصالح المشتركة من الأمور المرغوبة، إلا أن أفضل أنواع التعايش والتعارفما كان لوجه الله سبحانه وتعالى، عملاً بكتابه الكريم، الذي يقول، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَلِتَعَارَفُوا." (الحجرات: 13) فالتعايش والتعارف هما هدفان نبيلان، قد وجه القرآن إليهما لتمكين التوافق والتواصل بين البشر ولتجنيبهمالتنافر والتنازع